يكشف إطلاق سراح منغ وانزو عن محاولة واشنطن لمنع منافستها المحتدمة مع بكين من التحول إلى صراع، لكنها بعيدة كل البعد عن كونها تراجعًا في التوترات الثنائية.
بكين, 28 سبتمبر 2021 /PRNewswire/ — “لقد عدت أخيرًا إلى وطني” هذه هي العبارة التي قالتها منغ وانزو، المديرة المالية لشركة هواوي (Huawei) عقب وصولها إلى مطار شنجن مساء السبت.
بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الاحتجاز رهن الإقامة الجبرية في كندا، توصلت منغ وفريقها القانوني إلى اتفاق مع وزارة العدل الأمريكية يوم الجمعة يسمح لها بالعودة إلى الصين، وكانت هذه اللحظة بمثابة نهاية لملحمة قانونية وسياسية طويلة وقعت وسط تصاعد التوترات والأحداث بين كل من بكين وواشنطن.
وبعد فترة وجيزة من التوصل إلى هذا الاتفاق، استقلت منغ طائرة مستأجرة تابعة لشركة طيران الصين (Air China) متوجهة إلى مدينة شنجن بجنوب الصين الكائن بها مقر شركة هواوي.
الجدير بالذكر أن منغ البالغة من العمر 49 عامًا لم تعترف بارتكابها تهم الاحتيال الموجهة إليها، وبموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه، لن تتم مقاضاتها مرة أخرى في الولايات المتحدة وسيتم إنهاء إجراءات التسليم في كندا، وذلك وفقًا لبيان أصدره ويليام تيلور الثالث، أحد المحامين الذين يمثلون منغ.
وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشونينغ، يوم السبت قائلة “لقد أثبتت الحقائق بالفعل أن ما حدث ما هو إلا اضطهاد سياسي ضد أحد المواطنين الصينين وهدفه هو قمع شركات التكنولوجيا المتقدمة الصينية”.
ماذا حدث قبل ثلاث سنوات؟
في 1 ديسمبر 2018، ألقت السلطات الكندية القبض على منغ بناءً على طلب من الحكومة الأمريكية التي اتهمتها بعمليات احتيال بواسطة البرقيات وطلبت تسليمها. والجدير بالذكر أن الحادث قد وقع عندما تبنت إدارة ترامب نهجًا صارمًا في التعامل مع الصين في مجموعة متنوعة من القضايا بما في ذلك مجالي التجارة والتكنولوجيا.
وقبل أربعة أشهر من اعتقال منغ، بدأت الحكومة الأمريكية حربها ضد شركات التكنولوجيا المتقدمة الصينية وذلك من خلال فرض حظر على قيام الحكومة الفيدرالية باستخدام منتجات شركتي هواوي وزد تي إي (ZTE) – وهما شركتان صينيتان رائدتان في مجال معدات الاتصالات – مستشهدة بوجود مخاوف أمنية. وفي العام التالي، أُدرجت هواوي في قائمة الكيانات التابعة لوزارة التجارة الأمريكية، والتي منعت فعليًا الشركات الأمريكية من التعامل مع هذه الشركة التكنولوجية الصينية العملاقة.
لماذا أُطلق سراح منغ في الوقت الراهن؟
على مدار السنوات الثلاث الماضية، كان احتجاز منغ بمثابة قضية شائكة بين كل من بكين وواشنطن، والتوترات المبهمة والغامضة القائمة منذ سنوات مضت قد اتخذت تصعيدًا مخيفًا.
وفقًا لرؤية أحد كبار الدبلوماسيين السابقين في السفارة الصينية في الولايات المتحدة، جيو تشانجلين، فإنه ثمة عاملين ساهما في إطلاق سراحها.
صرح جيو عبر مداخلة تليفونية مع شبكة تلفزيون الصين الدولية قائلًا “يتطلع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الاجتماع شخصيًا مع نظيره الصيني شي جين بينغ في قمة مجموعة العشرين (G20) المقبلة. [علاوةً على ذلك] أُعيد انتخاب جاستن ترودو للتو رئيسًا للوزراء بكندا [بفارق ضئيل] وهو حريص على إنهاء قضية منغ التي كانت في النهاية مثار خلاف طويل الأمد بين الصين وكندا.”
على الرغم من سياسة واشنطن المتشددة تجاه الصين، عمل بايدن بنفسه على بناء علاقة وثيقة مع الرئيس شي عندما شغل كل منهما منصب نائب الرئيس. وتأكيدًا لذلك وضح لي تشينج، مدير مركز جون إل ثورنتون الصيني (John L. Thornton China Center) في معهد بروكينغز (Brookings Institution) إن بايدن زار الصين أربع مرات، والتقى الاثنان 11 مرة شخصيًا.
وصرح بايدن في أحد الاجتماعات الشعبية في فبراير قائلًا “وجهة نظري هي أنني عندما عدت من مقابلته (شي) وسافرت معه مسافة 17000 ميل … – تعرفت عليه جيدًا بهذه الطريقة.”
وقال جيو موضحًا “يجمع بين كل منهما صداقة شخصية، ولكن يجب الانتظار لمعرفة ما سيفعله بايدن في ضوء المشاعر المعادية للصين المنتشرة على مستوى البلاد.”
يرى لي أن على بايدن استعراض ما لديه من إمكانيات وقوة لأن قاعدة الناخبين الأمريكيين تتبنى بشكل متزايد رسائل معادية للصين، مضيفًا “ولكنه يتسم بشخصية لا تميل إلى المواجهة.”
ماذا يعني إطلاق سراح منغ بالنسبة للعلاقات الصينية الأمريكية؟
وفقًا لرؤية جيو فإن إطلاق السراح هو بمثابة محاولة من جانب واشنطن لمنع المنافسة المحتدمة القائمة بين البلدين من الخروج عن نطاق السيطرة، لكنها لا ترقى إلى كونها تراجعًا في التوترات الثنائية. لا تزال التهم الموجهة إلى شركة هواوي قائمة، ولا تزال الشركة التكنولوجية العملاقة مدرجة في القائمة السوداء للولايات المتحدة.
يمكن القول إن الحرب التكنولوجية قادمة لا محالة. الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة كانت رائدة الثورة الصناعية الثالثة وكانت مهيمنة على قمة الهرم على مر العقود. ولكن، على مشارف القرن الحادي والعشرين، أصبحت المنافسة بين الصين والولايات المتحدة محتدمة خلال الثورة الصناعية الرابعة، التي تهيمن عليها الرقائق والخوارزميات.
أدرج البيت الأبيض الصين باعتبارها “المنافس الوحيد الذي يحتمل أن يكون قادرًا على الجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية” في الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي.
وصرح جيو قائلًا “قد تعود نهاية حقبة المشاركة والتعاون إلى عام 2010 عندما أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم”. عندما تخطى الناتج المحلي الإجمالي للصين الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 60 في المئة في عام 2014، تصاعد العداء بشكل أكبر، ولكن كانت هناك سياسات احتواء متمثلة في العلاقات التجارية وحقوق الإنسان على مر السنين.
والجدير بالذكر أن محاولة واشنطن لاحتواء بكين في مجال التكنولوجيا المتقدمة تسبق مرحلة الحرب التجارية التي شنها دونالد ترامب ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. ويبدو أن الفصل وفك الروابط في مجال التكنولوجيا المتقدمة أمرًا لا مفر منه.
للاطلاع على المقال الأصلي، انقر هنا.